أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا” ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا” ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 24 صفر 1443هـ ، الموافق 1 أكتوبر 2021م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بصيغة word بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا”، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بصيغة pdf بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا”، للدكتور محمد حرز.

 

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا”.

 

أولًا: العقلُ من أجلِّ النعمِ التي أنعمَ اللهُ بها علينا .   

 ثانيـــًا: أبو حنيفةَ وإعمالُ العقلِ  .

ثالثــــًا: إياك وسوءَ الفهمِ .

 

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 1 أكتوبر 2021م  بعنوان : “إعمال العقل في فهم النص .. الإمام أبو حنيفة ومدرسته الفقهية أنموذجًا”: كما يلي:

 

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: إعمالُ العقلِ في فَهمِ النصِّ  

د. محمد حرز   

 بتاريخ: 23 صفر 1443هــ – 1أكتوبر2021م

الحمدُ للهِ الذي أحسَنَ كلَّ شيءٍ خلقَه، وبدأَ خلقَ الإنسانِ من طينٍ، ثم جعلَ نسلَهُ من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ، ثم سوَّاهُ ونفخَ فيه من روحهِ، فتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقين, الحمدُ لله القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ (سورة ص: 29)وأشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلّا الله ، وحدهُ لا شريكَ له، إلهُ الأولين والآخرين، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ سيدُ المرسلين وإمامُ المتقين   عن أبي جُحَيْفَةَ رضى اللهُ عنه قال ، قُلتُ لِعَلِيِّ بنِ أبِي طَالِبٍ: هلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لَا، إلَّا كِتَابُ اللَّهِ، أوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أوْ ما في هذِه الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قُلتُ: فَما في هذِه الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وفَكَاكُ الأسِيرِ، ولَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بكَافِرٍ ( رواه البخاريُّ ، فاللهم صلِّ وسلم وزدْ وباركْ على النبيٍّ  المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ  الأخيارِ وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

   أما بعدُ …..فأوصيكُم ونفسي أيها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (أل عمران :102)

يا آلَ بَيتِ رَسولِ اللَهِ حُبَّكُمُ ***فَرضٌ مِنَ اللهِ في القُرآنِ أَنزَلَهُ

يَكفيكُمُ مِن عَظيمِ الفَخرِ أَنَّكُمُ ***مَن لَم يُصَلِّ عَلَيكُم لا صَلاةَ لَهُ

  عبادَ اللهِ  :(( إعمالُ العقلِ في فهمِ النصِّ  )) عنوانُ وزارَتِنا وعنوانُ خطبَتِنا

عناصرُ اللقاءِ:    

أولًا: العقلُ من أجلِّ النعمِ التي أنعمَ اللهُ بها علينا .   

 ثانيـــًا: أبو حنيفةَ وإعمالُ العقلِ  .

ثالثــــًا: إياك وسوءَ الفهمِ .

أيها السادةُ : ما أحوجَنا إلي أنْ يكونَ حديثُنا عن إعمالِ العقلِ في فهمِ النصِ وبخاصةٍ ونحنُ نعيشُ زمانًا فسدتْ فيه العقولُ وانحرفتْ بسببِ بعدِها عن منهجِ ربِّها وسنةِ نبيِّها صلى اللهُ عليه وسلم , وخاصةً سوءَ فهمِ النصوصِ فهمًا صحيحًا أدَّى إلى انتشارِ الفِرَقِ الضالةِ والمنحرفةِ والأفكارِ الطائِشةِ، والآراءِ الهَزيلةِ،التي تُشوِهُ صورةَ الإسلامِ بالليلِ والنهارِ في الداخلِ والخارجِ ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ .

أولًا: العقلُ من أجلِّ النعمِ التي أنعمَ اللهُ بها علينا .

أيها السادةُ: العقلُ نعمةٌ عظيمةٌ ومنةٌ كبيرةٌ أنعمَ اللهُ بها علينا ومنَّ بها علينا، وفضلَنَا وميزَنَا على سائرِ المخلوقاتِ بهذه النعمةِ العظيمةِ قال جلّ وعلا: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70]. وَقَالَ تَعَالَى {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]. وجعلَهُ سيّدَاً في هذا الكونِ بعقلِه وفكرِه قال جلّ وعلا:(( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (الجاثية:13) , فإذا تمَّ العقلُ تمَّ معه كلُّ شيءٍ وإذا ذهبَ العقلُ ذهبَ معه كلُّ شيءٍ فهو عنوانُ الرشادِ وعمودُ السعادةِ قال بعضُ الحكماءِ: (خلقَ اللهُ الملائكةَ من عقلٍ بلا شهوةٍ وخلقَ البهائمَ من شهوةٍ بلا عقلٍ وخلقَ ابنَ آدمَ من كليهمَا فمَن غلبَ عقلُه على شهوتِه فهو خيرٌ من الملائكةِ ومن غلبتْ شهوتُه على عقلِه فهو شرٌ من البهائمِ). قال ربنا:  ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) (سورة  الأعراف  : 179) هؤلاء كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ؟ لماذا أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لماذا ؟  لأن لهم أعينٌ لكنهم لا ينظرون بها إِلا إلى الحرامِ، لهم أذنٌ لكنهم لا يسمعون بها إلا الحرامَ، لهم قلوبٌ لكنها امتلأتْ بالحقدِ والبغضاءِ والحسدِ والكراهيةِ، لهم عقولٌ لكنها لا تفقُه شيئًا ولا تعرفُ شيئًا ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ.

 يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ ـ طيبَ اللهُ ثرَاه ـ: العقلُ هو أكبرُ المعاني، وأعظمُ الحواسِّ نفعًا، وبه يُدخَلُ في التَّكليفِ، وهو شرطٌ في صِحَةِ التصرُّفاتِ، وأداءِ العباداتِ.

والعقلُ  يُميِّزُ به الإنسانُ بين الحقِّ والباطلِ، وبين الخيرِ والشرِّ، ويُميِّزُ  به بين النافعِ والضارِ.  ويُدرِكُ به الصلاحَ من الفسادِ، ويُدرِكُ به المعلوماتِ الصحيحةَ النافعةَ والمعلوماتِ الخاطئةَ. والعقلُ هو مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، وَأَسَاسُ الْفِكْرِ وَالتَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ ولا تكليفَ لمن لا عقلَ له لحديثِ عليِّ بن أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (( رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ ))رواه الترمذي

لذا أمرنَا اللهُ جلّ وعلا باستثمارِ العقلِ وإعمالهِ في فهمِ النصوصِ فهمًا صحيحًا قال تعالى ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)) ( آل عمران: 190) قال جل وعلا ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾( الحج:46) ،قال تعالى ))إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ((ق: 37. قال المُفسِّرون: “لمن كان له عقلٌ”.

 بل جعلَ الإسلامُ العقلَ دليلاً على استنباطِ الأحكامِ التي لا يوجدُ فيها نصٌ من كتابٍ أو سنةٍ. كما في حديثِ معاذٍ رضى اللهُ عنه لما أرسلَهُ صلى اللهُ عليه وسلم إلى اليمنِ قاضيًا ،، قال: كيف تَقضِي إذا عَرَضَ لكَ قَضاءٌ؟ قال: أَقضِي بكِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، قال: فإنْ لمْ تَجِدْ في كِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟ قال: فبِسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: فإنْ لمْ تَجِدْ في سُنَّةِ رسولِ اللهِ ولا في كِتابِ اللهِ؟ قال: أَجتهِدُ رأْيي ولا آلُو. قال: فضَرَبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صدْرِه، وقال: الحمدُ للهِ الَّذي وَفَّقَ رسولَ رسولِ اللهِ، لِمَا يُرضِي رسولَ اللهِ)رواه أحمد. فجعلَ من اجتهادِ العقلِ أساسًا للحكمِ ومادةً للقضاءِ عند فقدانِ النصِّ.

بل لقد أمرنَا الإسلامُ ونبيُّ الإسلامِ بالمحافظةِ على العقلِ محافظةً شديدةً، واعتنى به اعتناءً عظيمًا؛ فكان حفظُ العقلِ من الكلياتِ الستِّ التي اتفقتْ الشرائعُ السماويةُ على حفظِها، وهي الدينُ والنفسُ والمالُ والعرضُ والعقلُ والوطنُ، لذا حَرّمتْ الشريعةُ الإسلاميةُ على المسلمِ المفسداتِ العقليةَ التي تؤدِي إلى الإخلالِ بالعقلِ فيصبحُ صاحبُه كالمجنونِ لا يعرفُ الضارَّ من النافعِ، ولا الزوجةَ من الأمِ أو البنتِ. وهذه المفسداتُ العقليةُ الحسيةُ هي الخمورُ والمخدراتُ وما قامَ مقامها من المسكراتِ. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾ (المائدة90-91]. وعن عبدِ اللهِ بن عمرَ رضى اللهُ عنهما قال: قال النبيُّ صلى الله عليه و سلم: (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ، ومَن شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنْيا فَماتَ وهو يُدْمِنُها لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْها في الآخِرَةِ(  رواه مسلم

وأخطرُ أنواعِ الفراغِ:  الفراغُ العقليُّ : حياتُه دمارٌ وآخرتُه بوارٌ بدليلِ تصايُحِ أهلِ النارِ فى النارِ بين يدى الواحدِ القهارِ قال اللهُ جل وعلا عن هؤلاءِ : (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أصْحَابِ السَّعِيرِ)[الملك:10]

يا ساهيًا يا غافلاً عمـا يرادُ لـه *** حانَ الرحيلُ فما أعددتَ من زادٍ                                                 ترجوا البناءَ صحيحًا أبدًا *** هيهاتَ هيهاتَ أنت غدا فيما غدا غاد

ثانيـــًـا :أبو حنيفةَ وإعمالُ العقل ِ .

أيها السادةُ: دينُنا ونبيُّنا صلى اللهُ عليه وسلم  أمرَنَا بإعمالِ العقلِ  وكيف لا ؟ والعقلُ من أعظمِ الأدلةِ على وجودِ اللهِ قال تعالى ))أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون)[الطور:35]؛ ولهذا لما سمعَ جُبَيْر بن مُطْعِم رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يقرأُ سورةَ الطورِ فبلغَ هذه الآياتِ: {أمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ(( [(الطور:35-37)وكان جبيرُ يومئذٍ مشركًا قال: “كادَ قلبي أنْ يطيرَ، وذلك أولُ ما وقرَ الإيمانُ في قلبي)) رواه البخاري. ولما سُئلَ الأعرابيُّ: بم عرفتَ ربَّك؟ فقال: الأثرُ يدلُ على المسيرِ، والبَعْرَةُ تدلُ على البعيرِ، فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ وأرضٌ ذاتُ فجاجٍ وبحارٌ ذاتُ أمواجٍ ألا تدلُّ على السميعِ البصيرِ؟

وهذا هو الإمامُ أبو حنيفةُ النعمان إمامُ مدرسةِ الرأيِ كان خيرَ نموذجٍ في إعمالِ العقلِ في الفقهِ والدينِ فعندما حدثتْ مناظرةٌ بين أبي حنيفة  والملاحدة في إثباتِ الخالقِ -عز وجل في يومٍ من الأيامِ، وكان أبو حنيفة من أذكى العلماءِ؛ فوعدَهم أنْ يأتوا بعدَ يومٍ أو يومين؛ فجاءوا، قالوا: “ماذا قلتَ؟ قال: “أنا أفكرُ في سفينةٍ مملوءةٍ من البضائعِ والأرزاقِ جاءتْ تشقُّ عُبابَ الماءِ حتى أرستْ في الميناءِ وأنزلتْ الحمولةَ وذهبتْ، وليس فيها قائدٌ ولا حمالون.قالوا: تتفكرُ بهذا؟! قال: نعم قالوا: إذًا ليس لك عقلٌ! هل يعقلُ

 أنّ سفينةً تأتي بدونِ قائدٍ وتنزلُ وتنصرفُ؟! هذا ليس معقولا ! قال: كيف لا تعقلون هذا، وتعقلون أنّ هذه السماواتِ والشمسَ والقمرَ والنجومَ والجبالَ والشجرَ والدوابَ والناسَ كلَّها بدونِ صانعٍ؟! فعرفوا أن الرجلَ خاطبَهم بعقولِهم، وعجزوا عن جوابِه. إنّه العقلُ ياسادة .

                           وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ *** تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ

وسمعَ الناسُ يومًا رجلًا يمشي في سوقِ الكوفةِ يقول : عثمانُ بن عفان كافرٌ عثمانُ كافرٌ عثمانُ بن عفان كان يهوديًّا، فأتاه أبو حنيفة، وطرقَ بابَه وكان الرجلُ ما زال يقولُ : عثمان كافرٌ غير مسلمٍ.. فوجدَ الرجل الإمامَ  أبا حنيفة  على بابهِ ففرحَ بشدةٍ . فقال له أبو حنيفة : جئتُك خاطبًا لابنتِك  .. قال: لِمَن ؟ قال : رجلٌ شريفٌ غنيٌ بالمالِ، حافظٌ لكتابِ الله، سخيٌّ يقوم الليلَ في ركعةٍ، كثيرٌ البكاءِ من خوفِ الله ,عظيمُ النسبِ , كثيرُ الأدبِ , جميلُ المُحيّا , عظيمُ العبادةِ فقال الرجلُ : نعم يا إمام ! ويكفي أنّه من طرفِك يا إمام,فقال أبو حنيفة : إلا أنّ فيه خَصلةً، قال: وما هي قال: يهوديٌّ، قال: سبحانَ الله! تأمرُني أن أزوجَ ابنتي من يهوديٍ يا إمام , كيف هذا ؟ فقال : فكيف قَبِل عقلكَ أنّ رسولَ الله زوّجَ ابنتيه لرجلٍ غير مسلمٍ ؟  وذلك لأنّ عثمانَ بن عفان قد تزوجَ من ابنتي النبيِّ رقية وأم كلثوم ..فقال الرجلُ : أستغفرُ اللهَ , تبتُ يا إمام إني تائبٌ إلى اللهِ عز و جل.. واللهِ لا أسبُّ عثمانَ بعدَ اليومِ .. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/ 364(

لذا قال عليٌ بنُ عاصم: لو وُزن عقلُ أبي حنيفة بعقلِ نصفِ أهلِ الأرضِ، لرجَحَ بهم. اللهُ أكبر

ثالثــــًا : إياك وسوءَ الفهمِ .

سوءُ الفهمِ داءٌ اجتماعيٌ خطيرٌ، ووباءٌ خلقيٌ كبيرٌ، ما فشا في أمةٍ إلا كان نذيرًا لهلاكِها، وما دبَّ في أسرةٍ إلا كان سببًا لفنائِها، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعٌ لكلِّ شرٍ وتعاسةٍ، وسوءُ الفهم آفةٌ من آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ، مدمرٌ للقلب والأركانِ، يفرقُ بين الأحبةِ والإخوةِ، يحرمُ صاحبهُ الأمنَ والأمانَ، ويدخلهُ النيرانَ، ويبعدهُ عن الجنانِ، فالبعدُ عنه خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ. وكيف لا ؟ والنبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم قال كما في حديثِ معاويةَ رضى الله عنهما كما في صحيح البخاريِّ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ((مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ)) قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: أي يفهمُه. وَحَثَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  عَلَى الْفِقْهِ وَالْفَهْمِ، وَاسْتِخْدَامِ الْعَقْلِ فِيمَا خُلِقَ لَهُ؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم كما في حديثِ ابن مسعودٍ رضى الله عنه قال قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  ((نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا، وَبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ)) وقد دعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعبدِ الله بن عباسٍ فقال: اللهم فقههُ في الدينِ وعلمهُ التأويلَ. ولقد أخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا، وَتَجِدُونَ خِيَارَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدُّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ }

قال ابن القيمِ رحمَهُ اللهُ: سوءُ الفهمِ عن الله ورسولِه أصلُ كل بدعةٍ وضلالةٍ نشأتْ في الإسلامِ قديمًا وحديثًا، وأصلُ كل خلافٍ في الأصولِ والفروع.ِ

ثم قال ابنُ القيمِ : وهل أوقعَ القدريةُ النفاة منهم والجبريةُ- والمرجئةُ والخوارجُ والمعتزلةُ والروافضُ وسائرُ طوائفِ أهل البدعِ فيما وقعوا فيه إلا سوء الفهمِ عن اللهِ ورسولِه؟!

مرّ على الخوارجِ عبدُ الله بن خباب بن الأرت رضوان الله عليه وعلى أبيه مع امرأتِه، فسألَ الخوارجُ عبدَ الله عن عليٍ بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان الخوارجُ قد كفّروا عليًا بدعوى أنه حكّم الرجالَ في كتابِ الله، واللهُ جل وعلا يقول: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ )) الأنعام:57

فانظر كيف يستشهدُ هؤلاء بالآيات، فلما سألوا عبدَ الله بن خبابٍ عن عليٍ أثنى عليه بما هو أهلُه، فلما أثنى عبدُ اللهِ علىَ عليٍ قتلَه الخوارجُ وذبحُوه كما تذبحُ النعجةُ، ثم سألوا امرأتَه عن عليٍ فأثنتْ عليه بما هو أهلُه فذبحوها كما تذبحُ النعجةُ وبقروا بطنَها واستخرجُوا جنينَها من بين أحشائِها، ومر هؤلاء المجرمون وأيديهم ملطخةٌ بدماءِ عبد الله وامرأتِه على حائطٍ للنخيل سقطت بعضٌ تمراتِه خارجَ أسوارِه، فانحنى أحدهُم ليلتقطَ تمرةً ليأكلَها، فقالوا: مه مه. ماذا تصنع يا رجل؟! كيف تستحلُ لنفسكَ تمرةً لم يأذنْ لك صاحبُها؟! وأيديهم ملطخةٌ بدماء عبدِ الله بن خباب وامرأتِه. فسوءُ الفهمِ عن اللهِ ورسولهِ قضيةٌ من أخطرِ القضايا.

لذا قال الله جل وعلا ((إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ))[الأنفال:22-23

إلهِي لَسْتُ لِلْفِرْدَوْسِ أهلاً ***وَ لاَ اَقْوَي عَلَي النَّارِ الْجَحِيْمِ
فَهَبْ لِي تَوْبَةً وَ اغْفِرْ ذُنُوْبِي*** فَاِنَّكَ غَافِرُ الذَنْبِ الْعَظِيْمِ
وَ عَامِّلْنِي مُعامَلةً الْكَرِيْمِ ***وَ ثَبِّتْنِي عَلَي النَّهْج الْقَوِيْم

 وأرجئُ بقيةً الحديثِ إلى ما بعد جلسةِ الاستراحةِ . أقولٌ قولي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم

الخطبةُ الثانيةُ   الحمدُ لله ولا حمدَ إلا له وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلا بِه وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  ………………..وبعد

أيها السادةُ : اللهُ تعالى قسمَ العقولَ كما قسمَ الأرزاقَ ، فجعلَ في العطاءِ رزقًا وجعل في العقولِ رزقًا ، واللهُ سبحانه وتعالى لما جعل في العقولِ والفهمِ رزقا قال تعالى (( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ )) [فاطر:1] وقال تعالى عن نبييِه الكريمين سليمانَ وداود (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ  وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا )) [الأنبياء/79] فنبيُ الله داود كان على علمٍ وحكمةٍ وينزلُ عليه الوحيُ من اللهِ عز وجل ؛إلا أنّ اللهَ آتى ولدَه سليمانَ فهما زائدا على فهمِ أبيه (وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) الأنبياء/79 . قال ابنُ القيم :وصحةُ الفهمِ نورٌ يقذِفُه اللهُ في قلبِ العبدِ يُميِّزُ به بين الصحيحِ والفاسدِ، والحقِ والباطلِ، والهُدى والضلالِ، والغيِّ والرشادِ.

فاللهَ اللهَ في الفهمِ اللهَ اللهَ في إعمالِ العقلِ في فهمِ النصِّ اللهَ اللهً في استثمارِ العقلِ في التفكرِ والتدبرِ. ولا تكن إمعةً كما قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ” لَا يَكُنْ أَحَدُكُمْ إمَّعَةً .قَالُوا وَمَا الْإِمَّعَةُ ؟ قَالَ يَجْرِي مَعَ كُلِّ رِيحٍ))

لذا قال اللهُ تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) (الإسراء:36). لذا كان تحريرُ العقلِ هو المنحةُ الكبرى للإنسانِ وكان تحريرُ العقلِ من كلِّ فكرٍ ضالٍ منحرفٍ سعادةً للإنسان في الدنيا والآخرةِ، وكان تحريرُ العقلِ من اتباعِ الهوى واجبًا شرعيًا. وكان تحريرُ العقلِ من الخرافاتِ والأباطيلِ مهمًا للغايةِ، وكان تحريرُ العقلِ من الأفكارِ الهدامةِ غايةً لكلِّ موحدٍ، ولا يكونُ هذا التحريرُ إلا بموافقةِ ما جاءَ في القرآنِ والسنةِ ولا يكونُ هذا التحريرُ إلا باتِّبَاعِ هدىِ المصطفى العدنانِ صلى الله عليه وسلم

تعصي الإلَه وأنت تزعمُ حبَّه          ***         هذا محالٌ في القياسِ شنيعٌ                                                 لو كان حبُّك صادقًا لأطعتَــه        ***       إنّ المحبَّ لمن يحبُ مطيعُ

نسأل الله أن يحفظَ عقولنَا من كلِّ سوءٍ، وينيرَها بأنوارِ الهدايةِ، وأن يصرفَ عنها أسبابَ الانحرافِ والغوايةِ.….إنه على ذلك قادر …                       

     كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

د/ محمد حرز

 إمام بوزارة الأوقاف

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »